صنع في الصين.. نهضة تاريخية من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى "مصنع العالم"

في أقل من 70 عامًا، تحولت الصين من دولة معزولة تغمرها الحروب والانتكاسات، استعمرها القاصي والداني، وشهدت مجاعة راح ضحيتها أكثر من 4 مليون شخص، إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم وأكبر دولة مصدرة في العالم.

عملوا في هدوء وتسللوا إلى كل بيت في العالم، حتى أصبحت عبارة "صُنع في الصين" تتردد في المراكز التجارية الكبرى وفي المتاجر الصغيرة في الأحياء الشعبية.

نرصد لكم ضمن "صوت المجلة"، أبرز التفاصيل حول نهضة الصين من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى "مصنع العالم".

من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى "مصنع العالم"

كانت نهضة الصين معجزة من التنمية الاقتصادية السريعة والاستقرار الاجتماعي الطويل الأجل، إليكم ضمن التقرير التالي كيفية تحول الصين إلى "مصنع العالم" الحديث، وكيف تصدرت عبارة "صُنع في الصين" العالم.

البداية في عام 1949 

كانت البداية في عام 1949 عندما تم القضاء على الحرب الأهلية بين القوميين وتحويل الصين إلى دولة شيوعية، وإعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية بقيادة الزعيم ماو تسي تونغ، وضع ماو خطة للنهوض بالدولة الشيوعية الجديدة، بدءًا من الخطة الخمسية الأولى إلى "النهضة العظيمة".

كانت هناك بعض النتائج المثمرة مثل زيادة عدد السكان، ومتوسط الأعمار، ورفع نسبة التعليم، وتطوير الصناعة والبنية التحتية، هذا الأمر حرر البلاد من الحاجة إلى الاتحاد السوفيتي في إنشاء المصانع.

الآلام التي سببتها خطط ماو.. المجاعة والنجاحات الطفيفة

على الرغم من تلك المحاولات والنجاحات الطفيفة، إلا أن خطة ماو أدت إلى مجاعة راح ضحيتها قرابة 40 مليون صيني، في عام 1976، بعد وفاة ماو، الذي كان صاحب مقولة "من الأفضل أن نبقى فقراء في ظل الاشتراكية على أن نغتني في ظل الرأسمالية"، جاء صاحب المقولة "الفقر ليس اشتراكية"، كانت نهاية الزعيم ماو بداية الإصلاحات التي غيرت وجه الاقتصاد الصيني.

دينغ شياو بينغ يقود الصين إلى العصر الجديد

بعد وفاة ماو بعامين، تولى مهندس خطة النهوض الاقتصادي العظيم، دينغ شياو بينغ، الحكم، لينقذ البلاد من الوقوع في الهاوية، وضع بينغ خطة لتحويل النهج الاقتصادي في البلاد من الاقتصاد الموجه الذي يتحكم فيه الحزب، والذي كان يقوم على تقسيم الأرباح على العاملين والمنتجين، إلى اقتصاد السوق المعتمد على الرأسماليات الغربية، سمحت هذه السياسة الجديدة للأفراد بالتملك وإدارة الشركات والمشاريع الخاصة بشرط الخضوع الكامل للدولة والحزب الشيوعي.

التحولات الكبرى في الصين تحت قيادة دينغ شياو بينغ

بدأ بينغ خطة تمتد لعشر سنوات، والتي ارتكزت على عدة عوامل رئيسية، أهمها مضاعفة الناتج القومي الإجمالي وضمان حصول الناس على ما يكفي من الغذاء والملابس، بدأ الفلاحون يتمتعون لأول مرة بحرية إدارة الأرض التي يزرعونها ويبيعون منتجاتهم في السوق ليكسبوا منها، مما أدى إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية.

كما سعى دينغ إلى تطوير بنية تحتية مدنية متفوقة، معتبرًا ذلك أولوية في خطة الدفاع الوطني لتتمكن الصين من امتلاك أسلحة حديثة.

الدور الدولي للصين تحت قيادة دينغ شياو بينغ

كان دينغ شياو بينغ يعلم أن فتح الأبواب والنوافذ الاقتصادية في الصين بشكل كامل قد يؤدي إلى تسرب تأثيرات غير مرغوب فيها، لذا اكتفى بفتح الأبواب الاقتصادية ببطء وخطوات محسوبة، مع إبقاء الأبواب السياسية موصدة، هذه الاستراتيجية أثبتت نجاحها حيث وقع معاهدة السلام والصداقة مع اليابان عام 1978، وأعاد العلاقات مع واشنطن، مما أخرج الصين من عزلتها الدولية المزمنة.

التحول الاقتصادي والاجتماعي في التسعينات

في عام 1989، لم يمانع شياو بينغ في سحق الحركات الطلابية الديمقراطية، ثم استقال من رئاسة اللجنة العسكرية المركزية، ليقدم بذلك نموذجًا على ضرورة الانتقال السلس للسلطة وفسح المجال لجيل جديد لقيادة المسيرة.

جاء الرئيس الصيني جيانغ زيمن عام 1993، واتبع سياسة ليبرالية وأعلن عن إصلاحات غير مسبوقة، خصوصًا في المجال الاقتصادي، سمحت بانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وبذلك، تحولت الصين من بلد منبوذ إلى أسرع اقتصادات العالم نموًا.

الصين في عصر الانفتاح.. تحولات جديدة تحت قيادة شي جين بينغ

تنحى جيانغ زيمن عن الرئاسة في 2003، وكانت الصين قد أصبحت عضوًا في منظمة التجارة العالمية، ودخلت عصرًا جديدًا من التحول الاقتصادي والانفتاح الشامل، من صلب الحزب الشيوعي أيضًا خرج رجل أكثر قوة من أسلافه، وهو الرئيس الحالي شي جين بينغ.

منذ وصوله إلى منصبه كزعيم للبلاد، دخلت الصين مرحلة جديدة على الساحة الدولية، مرحلة تتسم بتعاظم نفوذها الخارجي ولعب دور أكبر على الصعيد العالمي.

ولكن البداية كانت من الداخل حيث قام شي جين بينغ بحملة واسعة على الفساد المتفشي وخنق الأصوات المعارضة، من أجل إعادة بعث الأمة الصينية.

مشروعات ضخمة وتحولات استراتيجية في الاقتصاد والسياسة

أجرى شي جين بينغ إصلاحات اقتصادية ساهمت في الحد من تراجع النمو وتحجيم ملكية الدولة للصناعة، مع مكافحة التلوث وتنفيذ مشروع النقل البري العملاق "طريق الحرير الجديد" أو "مبادرة الحزام والطريق"، وهو أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.

يهدف هذا المشروع إلى ربط نصف سكان الأرض تقريبًا ببعضهم البعض، بمشاركة نحو 100 دولة من بينها دول أوروبية.

الصين كقوة اقتصادية وعسكرية على الساحة الدولية

اليوم، أصبحت الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، ارتفع ناتجها المحلي العالمي من 1% عام 1990 إلى 18% عام 2022، ليزيد عن ناتج المجموعة الأوروبية مجتمعة، وبفارق ضئيل عن الولايات المتحدة التي تراجع ناتجها المحلي عالميًا من 26% إلى 25% خلال نفس الفترة.

أصبحت الصين ثاني أكبر منفق على القوات العسكرية بعد الولايات المتحدة، ولديها أكبر جيش من الناحية العددية، مع عدد كبير من الصواريخ العابر للقارات، وثلاث حاملات طائرات، وأكبر عدد من القطع البحرية.

الصين في مجال التكنولوجيا

تمتلك الصين أيضًا أكبر عدد من الميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية، وأضخم احتياطي نقدي بالعملات الصعبة، الذي يفوق ثلاثة تريليونات دولار.

كما لديها نظام تعليمي ينتج 1.5 مليون مهندس من بين 10 ملايين خريج جامعي سنويًا، بالإضافة إلى قوة عاملة تقدر بنحو 400 مليون شخص.

أطلقت الصين محطة فضائية بخبرات ذاتية، وأقمار صناعية قادرة على الوصول إلى مناطق على القمر لم تصل إليها الولايات المتحدة.

التنافس مع أمريكا

حاليًا، تزاحم الصين الولايات المتحدة بشكل منفرد دون دول أخرى، وتطمح لأن تصبح أحد أقطاب النظام العالمي الجديد، على الرغم من التفوق العسكري والموارد الطبيعية التي تمتلكها روسيا، إلا أن الصين تمتلك الوسائل التي تجعلها قطبًا دوليًا في عصر الاقتصاد الرقمي.

الصين تستثمر في كل المجالات من تكنولوجيا، ابتكار، وحتى قدرات عسكرية، مما جعلها قادرة على تحدي القوى العظمى في العالم.

اقرأ أيضا:

مرض الصين الجديد.. تفاصيل تفشي فيروس HMPV ومخاوف من انتشاره عالميًا

إمبراطورية صينية تتحدى أمريكا.. ما هي قصة هواوي عملاق الصين التكنولوجي؟

تسبب في إبطاء حركة دوران الأرض.. قصة سد الممرات الثلاثة في الصين