من رمال الصحراء إلى ثروة عالمية.. كيف يساهم الزجاج المصري في مستقبل الاقتصاد؟

قبل آلاف السنين، وفي قلب صحراء واسعة، تحولت الرمال تحت حرارة الشمس الشديدة إلى قطعة شفافة وغريبة الملمس، وقف الإنسان أمامها مندهشًا، يتساءل: كيف أصبحت الرمال الصلبة بهذه الشفافية والهشاشة؟ وهل تخفي هذه القطعة أسرارًا لم تُكتشف بعد؟.

من هذه اللحظة بدأ الإنسان رحلة فضول طويلة لاكتشاف سر هذه المادة العجيبة، التي بدت وكأنها نافذة لعوالم غير مرئية، ومع مرور الوقت، لم يكن هذا مجرد اكتشاف بسيط، بل أصبح الزجاج جزءًا مهمًا من حياة البشر، وعنصرًا أساسيًا في اقتصاد العديد من الدول حول العالم.

ومن هنا إليكم تفاصيل الإجابة عن سؤال كيف يصنع الزجاج المصري مستقبل الاقتصاد؟، عبر صوت المجلة.

تطور صناعة الزجاج عبر الحضارات

في بلاد الرافدين ومصر القديمة، بدأ الحرفيون يخلطون الرمال بالنار، ينفخون الهواء، ويضيفون الألوان ليصنعوا قطعًا زجاجية كانت بمثابة سمفونية إبداعية، ففي مصر زُينت الأواني الزجاجية الملونة قصور الفراعنة، وفي بابل عكست النوافذ الزجاجية ألوان الشمس كلوحات فنية، وعند الرومان، تحول الزجاج إلى لغة عالمية عبر تقنية النفخ ليصبح جزءًا لا يتجزأ من حضارتهم.

بدايات تصنيع الزجاج

لا يُعرف بالضبط متى تعلم الناس صنع الزجاج أو أين حدث ذلك، لكن يُعتقد أن صنع الزجاج بدأ على شكل سطح لامع على أوعية خزفية قبل سنة 3000 قبل الميلاد، وصُنعت أول أوعية زجاجية حوالي سنة 1500 قبل الميلاد في مصر وبلاد ما بين النهرين.

نجحت صناعة الزجاج نجاحًا عظيمًا طوال فترة الأعوام اللاحقة ثم تدهورت قبل أن تُعاد إلى الحياة حوالي سنة 700 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين، ومرة أخرى في مصر حوالي سنة 500 قبل الميلاد.

العصر الذهبي لصناعة الزجاج

أصبحت مصر وسوريا والدول المطلة على شواطئ البحر المتوسط مركزًا لصناعة الزجاج، كانت صناعة الزجاج قديمًا بطيئة ومرتفعة التكاليف، لكنها أثبتت فائدتها في حفظ الخمور والعسل والزيوت، بين تدهور الإمبراطورية الرومانية والقرن الثالث عشر الميلادي، تطورت صناعة الزجاج في البندقية، بحلول سنة 1291، ظهر نظام نقابي لعمال الزجاج وانتقلت المعدات إلى جزيرة مورانو، حيث بدأ العصر الذهبي الثاني للزجاج.

الابتكارات في صناعة الزجاج

ابتكر نفاخو الزجاج في البندقية زجاج الكريستال الشفاف الذي لا لون له تقريبًا، في تلك الأثناء، كان العالم الإسلامي يُبدع في صناعة الزجاج، حيث برزت دمشق والقاهرة كمدن تُنقش فيها الزجاج بأنماط زخرفية مبهرة، كان الزجاج الإسلامي يجمع بين الفن والدين والعلم، مما جعله مميزًا عن غيره من المنتجات الزجاجية في تلك الحقبة.

الثورة الصناعية وتأثيرها على صناعة الزجاج

في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، بلغ فن صناعة النوافذ الزجاجية الملونة ذروته في أوروبا، أصبحت صناعة الزجاج مهمة في ألمانيا وبعض دول أوروبا الشمالية، حيث تميزت منتجاتها بالمتانة رغم أنها أقل نقاءً من كريستال البندقية.

صناعة الزجاج في العصر الحديث وتأثيرها الاقتصادي

في عام 1959، أحدث "السير ألكسندر بلانكدون" ثورة في صناعة الزجاج بابتكاره تقنية الزجاج العائم، مما سمح بإنتاج ألواح زجاجية ملساء بجودة استثنائية، هذه التقنية جعلت الزجاج أكثر قوة وأقل تكلفة، مما فتح المجال لاستخدامه في:

• البناء وناطحات السحاب بعائدات تتجاوز 80 مليار دولار سنويًا.
• صناعة السيارات بحوالي 30 مليار دولار سنويًا بفضل تقنيات الزجاج الحراري والمقاوم للخدش.
• يحقق الزجاج المستخدم في الأجهزة الذكية عائدات تزيد على 20 مليار دولار سنويًا.

الأثر الاقتصادي لصناعة الزجاج

تُعد صناعة الزجاج من الركائز الأساسية في الاقتصاد العالمي، حيث بلغت قيمتها السوقية في عام 2024 حوالي 277 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع هذه القيمة إلى 463 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 7.5%.

يصل الإنتاج العالمي من الزجاج إلى أكثر من 250 مليون طن سنويًا، تستحوذ آسيا على الحصة الأكبر بنسبة 60% من هذا الإنتاج، تليها أوروبا بنسبة 20%، ثم أمريكا الشمالية بنسبة 12%، هذه الأرقام تعكس الدور الحيوي لصناعة الزجاج في دعم الاقتصاد العالمي وتلبية احتياجات مختلف القطاعات.

الاستدامة وإعادة تدوير الزجاج

تُساهم التوجهات نحو الاستدامة في تعزيز إعادة تدوير حوالي 30% من الزجاج عالميًا، مما يساعد على خفض التكاليف وتقليل الأثر البيئي لصناعة الزجاج، وبفضل الابتكارات المستمرة في هذا المجال، من المتوقع أن يستمر الزجاج في أداء دور حيوي في مستقبل الاقتصاد العالمي والتكنولوجيا، ليصبح عنصرًا أساسيًا في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الصناعات الحديثة.

اقرأ أيضًا:

من هي شركة بلاك روك التي تهيمن على اقتصاد العالم بـ 10 تريليونات دولار؟

رحلة القطن من بذرة بسيطة إلى الذهب الأبيض ودعامة الاقتصاد العالمي

استراتيجيات مبتكرة ودعم للذهب.. كيف تواجه مصر الأزمات الاقتصادية العالمية؟